علِّمْ[1] .. ولاتُهوِّمْ !
من الأسس المهمة ، التي تقوم عليها الخُطط المثمرة والحراك الهادف ، هو أن تكون الأهداف محدَّدَة بالنسبة إلى صاحبها ، وألَّاتزحف عليها أهدافٌ أخرى ، لتزيحها وتتغلب عليها .
ويتضح لنا المقصود من ذلك بدقة ، عندما نرى حال عيَّنةٍ من أولئك الذين لم يتخِّذوا " قراراً " عميقاً تجاه أهدافهم المبرمة ، ولايزالون في طور " الأماني " الباردة والرغبات الطفيفة ، في الوصول إلى الهدف الذي يحلمون به !
وهذه الدرجة من الإرتباط بالأهداف لاتعطي ضمانةً للوصول ، ولاتحقق الإلتحام المنشود بالمسار المطلوب .
ونحن في التعبير المتداول نسمِّي هذا النحو من الأمانيَّ الورديَّة " نزوة " ، والإنسان في ظرف وقوعه تحت دفع هذه النزوات ، قد تنوبه رغبةٌ أخرى أوتميل رغباته إلى هدفٍ ثان ، ثم يتجه إلى مسارٍ آخر ، ولايتوقف عند ذلك ، بل تستزله أمانيه باتجاه مغاير .. وهكذا .. ليبقى الإنسان في نشاطاته مضطرباً هائماً مهوِّماً ، كالطير السارح ، الذي يتجول من فنَنٍ إلى فنَنٍ ، صادحاً مغرِّداً !!
فالخلاصة : أنه لابد من التحديد الثابت للأهداف والإرتباط الثابت بها ، بخطىً ثابتةً ، ولذلك قلنا : علِّمْ ولاتهوِّم !
لاتَغلُل فتُغَلّ
إذا صادف الإنسانَ تصرفٌ مثيرٌ لغضبه ، ثم لم يتمكن من التنفيس عن غضبه ، لمانعٍ أو لآخر ، فإن مصير ذلك الإنفعال هو الإحتباس في الزوايا الخفية من نفس الإنسان ، فإن لم يكن الإنسان طيِّباً في سريرته ، ولامديراً عاقلاً لمشاعره وانفعالاته ، تحوَّلت تلك الإحتباسات الغاضبة إلى حقدٍ كامن .
والإنسان الحاقد بطبيعته مُتعِبٌ ومُتعَب : فهو مترصِّدٌ لغرمائه وخصومه ، ليلتمس عليهم العثرات والزلَّات : مادقَّ منها وما جَلّ ، وهو بحسب هذه النظرة ، عنصرٌ إجتماعيٌ مزعجٌ من الدرجة الأولى ، قادرٌ على اختلاق منازلات وجولات ، لامبرر من ورائها ، ولاحصر لها ولا نهاية .
وهو مضافاً إلى ذلك مزعجٌ لنفسه مُبدِّدٌ لراحتها ، وشاغلٌ لها في غير شاغل .. فحيث ينشغلُ العاقل اللبيب بما يجب عليه القيام به ، ينشغل الحاقد الفارغ بمعاركه العبثية وصراعاته الإلهائية .
ومن ذلك تتضح اللفتة التي على أساسها سمِّي الحقد " غلّاً " ، حيث إن الغِلُّ هو مايُغَلُّ به ويكون التقييد بواسطته ، فأهل الأحقاد والبغضاء مملوكون لأحقادهم وشحنائهم النفسية ، مقيَّدون بها ، محرومون مما تفرضه البصيرة على الإنسان ، ومايوجبه الإدراك السويّ ، من التصرُّفات اللائقة والسلوك النبيل .
والذي يجدر الإلتفات إليه في هذا الصدد والأخذ به ، هو أن الإستفزازات التي نواجهها في الحياة ، وإن كانت تحرِّك شيئاً من الألم في دواخلنا ، ولكن لايصح أن تأخذ منَّا حيِّزاً أكبر مما نستحق ، فضلاً عن أن تسيطر علينا سيطرةً شاملة ، فضلاً عن تتحول ـ لاقدَّر الله ـ إلى سلوكياتٍ ثأريةٍ بشعة .
وعلى النقيض تماماً من ذلك سماحة الخلق ، وسلامة الصدر من الأضغان ، وحميمية المشاعر تجاه الآخرين ، وسلوَّ النفس وإعراضها عن شجون الماضي .. فإن ذلك يُعدُّ رصيداً نفسياً رائعاً ، ونعمةً من نعم الله تعالى على أصحاب الأنفس السخية والعقول الراجحة .
هنالك حيث يتحوَّل القلب إلى جنَّة غناء ، ويعذُب إحساس الإنسان وتطيب حياته ، ويجدُ فيها سعةً ومتعة ، ويتلذَّذ بما يتاح له من مباهج الحياة وطيِّباتها .
وللإنسان كامل الإختيار في أن يكون في هذا الصنف أو ذاك .. في أن يكون مغلولاً وثيقاً ، أو حرَّاً طليقاً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق